ذكر ناس من البلغاء والخطباء والأنبياء والفقهاء والأمراء ممن كان لا يكاد يسكت مع قلة الخطأ والزلل منهم: زيد بن صحوان . ومنهم: أبو واثلة إياس ابن معاوية المزني "1" , القاضي القائف , وصاحب الزكن ,والمعروف بجودة الفراسة. ولكثرة كلامه قال له عبد الله بن شُبْرُمَة "2" :"أنا وأنت لا نتفق .أنت لا تشتهي أن تسكت وأنا لا أشتهي أن أسمع"
وأتى حلقة من حلق قريش في مسجد دمشق, فاستولى على المجلس, ورأوه أحمر دميماً باذّ الهيئة, فاستهانوا به فلما عرفوه اعتذروا إليه وقالوا له: الذنب مقسوم بيننا وبينك, أتيتنا في زيٍَِِّ مسكين, تكلمنا بكلام الملوك.
ورأيتُ ناساً يستحسنون جواب إياس بن معاوية حين قيل له: ما فيك عيبٌ غير أنك معجب بقولك. قال: أفأعجبكم قولي؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أحقّ بأن أعجب بما أقول, وبما يكون مني منكم.
والناس, حفظك الله, لم يضعوا ذكر العُجب في هذا الموضوع. والمعيب عند الناس ليس هو الذي لا يعرف ما يكون منه من الحسن. والمعرفة لا تدخل في باب التسمية بالعجب, والعجب مذموم. وقد جاء في الحديث: " إن المؤمن ساءته سيئته وسرَّته حسنته " . وقيل لعمر: فلان لا يعرفُ السرور بما يكون منه والإفراطُ في استحسانه, حتى يظهر ذلك في لفظة وفي شمائله. وهو الذي وصف به صعصعة بن صحوان, المنذر بن الجارود, عند علي بن أبي طالب رحمه الله, فقال: " أما إنه مع ذلك لنظار في عطفيه, تفَّال في شراكيه, تعجبه حمرة برديه ".
"1" عاش في العصر الاموي, وقد ولاه عمر بن عبد العزيز على قضاء الكوفة وتوفي عام 122 هـ
"2" عبد الله بن شبرمة الضبي عاش في الدواة العباسية (72 – 144 هـ ) وولاه المنصور قضاء الكوفه