إذا كان الحديث عن العظمة يسري إلى زمن من الأزمان
فإنه في رمضان أولى وأحق ، ولكن من أي ناحية نتحدث عن تلك العظمة ؟! ومن أي فج نسلك ؟!لنقف بخشوع مبهورين وأقزاما متصاغرين .إن الحديث عن جوانب العظمة في هذا الشهر ليس غريباً فهو شهر يجذب الأنظار إليه ، ويحرك أوتار قلوب المسلمين إليه ، وتتلهف الأنفس شوقاً إليه ،
والأرض كلها والسماوات السبع تتجاوب مع هذا الشهر الكريم .
إن عظمة هذا الشهر تبرز في تميز هذه الأمة المرحومة به دونما سواها من الأمم فأمة اليهود وأمم النصارى والمجوس ، والصابئة ، وسائر طوائف الوثنيين لا يمكلون رصيداً ضخماً كضخامة هذا الشهر ، ولا يحلمون بمثقال ذرة من خير في أي زمان فضلاً عن أن يكون لهم مثل شهر رمضان .فأي إكرام وإجلال للمسلمين أعز من هذا الشهر الذي بفخرون به على سائر الأمم
بسم الله الرحمن الرحيم
• عدت يا رمضان بالخير والبشر والفرح ، تنشر مع مقدمك نفحات التقوى في الأجواء ،
وتعم بطلتك المودة والرحمة والإخاء.
• وعدت يا رمضان، والناس في لهفة واشتياق، يستبشرون بمقدمك، ويترقبون هلالك، فهلالك
ليس كبقية الأهلة ، هلال خير وبركة ، عم ببركته أرجاء العالم ، ونشر في النفوس روح
التسامح والألفة والمحبة والرحمة ، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأى
الهلال قال: (( اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ،
وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْرٍ )) .
• وعدت يا رمضان، وعادت أيامك ولياليك ، أيام مشرقة بطاعة الله، وليالي معطرة بذكر
الله، أيامك ليست كبقية الأيام، ولياليك ليست كبقية الليالي، كيف لا وقد شرُف يومك
بالصيام، وشرُفت لياليك بالصلاة والتهجد والقيام ، أنفس زكية، وأنفاس طاهرة، وقلوب
متراحمة، سُئِل الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " كيف كنتم تسقبلون
شهر رمضان ؟ قال : ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على
أخيه المسلم " .
• وعدت يا رمضان، وتجددت مع قدومك مواسم الطاعات، وفتحت معك أبواب الجنان، يقول
النبي صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ،
فتّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَغُلِّقَتْ
أَبْوَابُ جَهنّم ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ،
وينادَى مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ
أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ )) .
• وعدت يا رمضان، وبدأت أنوارك تعم أرجاء الزمان والمكان، نستشعر من خلالها نفحات
ربانية، ومنح فياضة، فاز من تعرض لها، وغنمها، وأعظم فيها العمل، وأري الله منه
خيرا، قال عليه الصلاة والسلام: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ
عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) .
• وعدت يا رمضان، فما أشبه الليلـة بالبارحة ، وما أسرع مرور الأيام والليالي ، كنا
نعتصر ألماً لوداع أيامك ولياليك ، وها هي الأيام والليالي قد مرت بنا ونحن في
استقبالك من جديد ، بفرحة العازمين على نيل الأجر والفضل .
• وعدت يا رمضان، فهل من توبة نصوح نفتح بها صفحة جديدة مع أنفسنا، نتأمل فيها
حالنا، نغير فيها من أنفسنا .
• وعدت يا رمضان، أيام وتمضي، فهل نجعلك حجة لنا، ندخرك في صحائف أعمالنا ، أم تمضي
كما مضى غيرك، ونتحسر على مضيك ، فلا يعيد البكاء من مات.
فلنجدد النية والعزم على استغلال أيامه ولياليه ، لاغتنام فرصه ، وجني ثماره، وليرى
الله فينا خيرا في شهرنا، وليكن التقوى هو هدفنا وشعارنا ، ولنتسابق للخيرات من أول
أيامه .
وفقنا الله لحسن استقباله ، وأعاننا الله فيه على طاعته وحسن عبادته.