اتشحت الجموع بالسواد وهي تحمل الشموع الشاحبة تودع من كرَّس حياته لتعميتها ومحاصرة من رأى النور فأبصر الحقيقة ، والحكم على من اختار طريق الإيمان وخلع ربقة الكفر وأغلاله بالسجن المطبق والعذاب الأليم ، دون الحاجة لمحاكم التفتيش فالسجن في الأديرة تقضي به قوانين الرهبنة ، وما وفاء قسطنطين وكامليا شحاته وغيرهما ببعيد !
تزاحمت الحشود وتدافعت على موكب كبير المضللين ، يزفونه ولا يدرون إلى مثوى الظالمين ومأوى الكافرين ، إلى جهنم ولبئس المهاد ، إلى النار وبئس الدار .
بعد عمرٍ مديد وإنجازات لا تكاد تحصى ، وإخلاصٍ منقطع النظير ، وسعيٍ دؤوب لنشر عقيدة شاءول اليهودي وطمس عقيدة المسيح عليه السلام ، عقيدة التوحيد الخالص : { وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) } [المائدة : 72 ، 73] .
وأخيرا قابل الرب ، ليس الرب الذي ينشده ويردد اسمه في صلواته وضَلَوَاتِه بل الله خالق كل شيء ومليكه ، الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد .
عزائي الحار للنصارى لا على فقد وموت كبيرهم ودفنه في التراب بل على فقد عقولهم وموت قلوبهم ودفن رؤوسهم في التراب كيلا ترى النور ولا تبصر النُّذر .
{ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا } [الكهف : 4 ، 5 ]
إني أعزيهم على أعمار قضت وساعات انقرضت في الكذب والافتراء ، إني أعزيهم على فقدان أعز ما يملكه الإنسان وحرمانهم من أحلى نعمة في الأكوان ، نعمة الإيمان بالواحد الديان ، لا رب غيره ولا معبود سواه .
التوحيد حق أبلج ، ونور بيِّن ، وفطرة نقية ، وسعادة أبدية وسكينة وطمأنينة ، وصفاء وطهر وسموٌّ وارتقاء .
أما الشرك والتثليث فكذب وهراء وسخافة وتشويش وتناقض وتشتت وحيرة وأوهام وسقوط وانحطاط .
التوحيد طريق الجنان وهداية الرحمن ، وروح وريحان .
أما الشرك فشقاء وحرمان وإقصاء وإبعاد ، وتخبط وانتحار .
التوحيد طريق واضح لا لبس فيه ولا غموض ولا ازدواجية ولا تعددية ، ولا تضارب ولا تعارض ، ولا يحتاج لفلسفة أو لحذلقة .
أما الشرك فيركن دعاته إلى الفلسفة والترميز والتعمية والتلغيز ، وكل ما يساعدهم في زخرفة الأباطيل حتى تحولت الكنائس إلى متاحف ومسارح ، صور وتماثيل ورسوم وزخارف ، ونحوت وتخوت ، وموسيقى وألحان وأبهة وفخامة وصولجان ، وقباب وأبراج ، وثريَّات وأثاثات ، وبخور وأضواء تخطف الأبصار ، وحركات وإشارات ومكاء وتصدية ، ورياش وصلبان ، وحرير وفرق وسحر وشعوذة ومرح ولهو هذه هي حججهم ، وتلك هي براهينهم على أعظم فرية في التاريخ ، قاتلهم الله أنى يؤفكون .