بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
(( مهر المرأة المطلقة قبل الدخول ))
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما بعد:
فإن الطلاق هو: حلُّ رابطة الزواج بلفظٍ صريحٍ أو كناية مع النية[1].
وإن عقَد الرجلُ على امرأة، وأراد أن يُطلِّقها قبل
الدخول بها، فهنا في المسألة تفصيل على وجهين:
أحدهما: إذا حصلت خلوة شرعية.
الثاني: إذا لم تحصل خلوة شرعية.
فالزوجة إذا طُلِّقَتْ قبل الدخول، ولم تحصل خلوة، فإن المسألة ليس بها خلافٌ، وللزوجة حينئذٍ نصفُ المهر[2]؛ قال -تعالى-:
﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ [البقرة: 237].
أما إذا خلا الزوج بزوجته، ففي المسألة خلاف:
• إذا حصلت خلوة يمكن فيها الوطءُ عادةً، وقد مكَّنَتْهُ من نفسها، ولو اتَّفقا على نفي الوطءِ، وكشف الزوجُ عن شعر زوجتِه، أو لمسَها، أو تلذَّذ بها من غير خلوةٍ، فإن هذه الخلوة يَكمُل بها المهرُ، وهذا هو مذهب الحنابلة والأحناف، وبه قال كثير من أهل العلم.
وقال السرخسي في المبسوط - وهو حنفي -:
"لو خلا بامرأته ولم يدخل بها، ثم طلَّقَها، وأقرَّت هي بذلك، أن لها المهرَ كاملاً يسَعُها أن تأخذه، وإن كانت قد علمت أن الزوج لم يقرَبْهَا"[3].
قال شيخ الإسلامابن تيميةفي الفتاوى الكبرى:
"إذا نال منها شيئًا لا يحلُّ لغيرِه، فعليه المهر"[4].
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"وقد ذُكِر عن الإمام أحمد روايةٌ ينبغي أن تكون قاعدة، قال: لأنه استحلَّ منها ما لا يحلُّ لغيره؛ ولهذا قالوا: لو مسَّها بشهوة، أو نظر إلى شيءٍ لا ينظُرُ إليه إلا الزوجُ كالفَرْج، فإنها تستحق المهرَ كاملاً؛ لأنه استحلَّ منها ما لا يحل لغيره"[5].
ودليلهم على ذلك كما ذكرهابنُ قدامةفي "المُغْنِي" ما يُعَدُّ إجماعًا من الصحابة - رضي الله عنهم - على أن مَن أغلق بابًا، أو أرخى سِترًا، فقد وجب المهر، ووجبت العِدَّة؛ ولأن التسليم المستحق وُجِد من جهتِها، فيستقر به البدل، كما لو وَطِئها، أو كما لو أَجَّرَتْ دارها، أو باعتها وسلمتها[6].
قال الباجي في شرح الموطأ:
"وبه قال من الصحابة: عمر، وعلي، وابن عمر، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل.
ومن التابعين: الزهري، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح"[7].
وعند المالكية، والشافعية: أنهما إذا تصادقا على نفيِ الوطءِ، فإنما يَلزَمُ الزَّوجَ نصفُ المهر فقط، ولو حصلت خلوة بينهما، وإذا كانت (الشَّبْكة) التي أُعطِيَتْها تعتبر من المهر عندكم، فإنها تتشطَّر بالطلاقِ قبل الدخول، وإن كانت مجرد هدية، فإن الزوجة تملكها، ولو طُلِّقَتْ قبل البناء[8].
قال الحطَّاب في مواهب الجليل: "وأما القُبْلة، والمباشرة، والتجرُّد، والوطء دون الفرج، فلا يوجب عليه الصَّدَاق"[9].
والرأي الراجح - والله تعالى أعلم - هو أن تأخذ الزوجة المهر كاملاً إن طُلِّقَتْ قبل
الدخول وحصلت خلوة يمكن بها الوطء، وهو رأي أكثر أهل العلم، وللمطلقة أن تعفوَ عن نصيبها من المهر إن كانت بالغة رشيدة؛ لقوله -تعالى-: ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ ﴾ [البقرة: 237]، ولمن بيده عقدة النكاح أن يعفو كذلك[10].
********
[1] فقه السنة ج2، ص241.
[2] العناية شرح الهداية ج3، ص327، الحاوي الكبير ج9، ص486، المغني لابن قدامة ج7، ص244، الموسوعة الفقهية الكويتية ج 38، ص239.
[3] المبسوط للسرخسي ج 16ص 158.
[4] الفتاوى الكبرى ج 5 ص475.
[5] الشرح الممتع 12/293.
[6] المغني المحتاج لابن قدامة 7/ 191.
[7] شرح الموطأ ج6 ص 334.
[8] الأم، محمد بن إدريس 5/ 196، منح الجليل شرح مختصر خليل ج3 ص 431.
[9] مواهب الجليل ج3 ص506.
[10] المبسوط للسرخسي 6/ 6.
*****************