الفتن 2017 2013 2014 2015
- - - - - - -
www.dream-cafeh.net
- - - - - - -
الفتن 2017
حصريا على دريم كافيه
2013 - 2014 - 2015 - 2016
منتدة الحياة الزوجية يقدم لكم الفتن 2017 إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا عن فتن تكون بين يدي الساعة، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- حريصين على أن يعرفوا أحكامها وأحوالها، وكيفية الخلاص منها، والتصرف فيها؛ من أجل أن يسلموا. الخطبة الأولى: الْحَمْدُ لِلّهِ نحمده...
منتدة الحياة الزوجية يقدم لكم الفتن 2017
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا عن فتن تكون بين يدي الساعة، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- حريصين على أن يعرفوا أحكامها وأحوالها، وكيفية الخلاص منها، والتصرف فيها؛ من أجل أن يسلموا.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلّهِ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئا مما أمر به إلا بلغه، فتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، وهداهم بإذن ربه إلى صراط مستقيم، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره واهتدى بهداه.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون عباد الله: قد كان الكلام فيما مضى عن فتنة الخوارج، أولئك الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، وخرجوا على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بالسلاح، فسفكوا دماءها، وأزهقوا أرواحها، وكانت فتنتهم عامة طامة، ولم يسلم من شرهم إلا القليل، واستطالوا بألسنتهم في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين كانوا أعلم بالله منهم، وأقرب إلى الله منهم، وأولى بالله منهم، فعمدوا إلى تكفيرهم وتفسيقهم، حاشاهم، رضوان الله عليهم.
هؤلاء الخوارج صدقت فيهم نبوءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد بعهده؛ فليس مني، ولست منه" رواه مسلم.
أيها المسلمون عباد الله: من أين أتي هؤلاء؟ ما سبب ضلالهم؟ سبب ذلك نقص العلم، وضيق العطن، وقصر النظر، والمسارعة في الفتوى، والجرأة على القول على الله -عز وجل- بغير علم، كل هذه علل وآفات اجتمعت في هؤلاء القوم، فكان منهم ذلك الشر العظيم؛ يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث التابعي يزيد بن صهيب أبي عثمان الكوفي، المعروف بالفقير، يقول -رحمه الله-: "كنتُ قد شغفَنِي رأيٌ من رأيِ الخوارج، فخرَجنا في عِصابَة ذوي عددٍ نريد أنْ نحجَّ ثم نخرُج على الناس". هكذا كانت خطتهم! أن يذهبوا إلى بيت الله الحرام حُجاجا ثم يخرجون على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يسفكون دماءها وينتهكون حرمتها!.
قال: فمرَرْنا على المدينة، فإذا جابر بن عبد الله يُحدِّث القوم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فإذا هو قد ذكَر الجهنَّميين. مَن الجهنميون أيها المسلمون عباد الله؟ حدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ناس من أمته أوبقتهم ذنوبهم، وأحاطت بهم خطيئتهم، فأدخلوا النار، حتى إذا كانوا فيها حمما أذن الله -عز وجل- في الشفاعة، يأذن في الشفاعة فيخرج من تلك النار من شاء من عباده بشفاعة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن لكل نبي دعوة مستجابة، وإن محمدا -صلى الله عليه وسلم- قد خبأ دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة، فهي نائلة كل من مات لا يشرك بالله شيئا.
كان جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يحدث بمثل هذا الحديث، فاعترض عليه هذا الرجل يزيد بن صهيب، قال: فقلت له: يا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ما هذا الذي تُحدِّثون؟ والله يقول: (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران:192]، ويقول: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) [الحج:22].
انظروا -عباد الله- إلى هذا الجهل بالقرآن، والجهل بالسنة، والاجتراء على النصوص، عمد هؤلاء إلى آيات لقنوها تلقينا، آيات نزلت في الكفار والمشركين يريدون تطبيقها على من يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، الله -جل جلاله- يقول: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)، ثم بقية الآية: (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، من الظالمون؟ القرآن الكريم يجيب يقول الله -عز وجل-: (وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، يقول -عز وجل- على لسان لقمان -عليه السلام-: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
والآية الأخرى التي يعترض بها هذا التابعي على جابر -رضي الله عنه-: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا)، هي تتكلم عن الكفار؛ فإن الله -عز وجل- يقول: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا)، والفاسق هو الكافر؛ لأن في مقابل المؤمن: (لَّا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) [السجدة:19-20]، والآية الأخرى: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج:19-22].
هذه الآيات كلها لا علاقة لها بأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، يخرج من هذا الوعيد من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، موقنا من قلبه، (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)، الله -جل جلاله- نفى الخزي عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمته، قال -جل من قائل-: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التحريم:8].
هذه هي أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-، لكن الرجل يعترض على جابر بآيات اقتطعها اقتطاعا، قال له جابر -رضي الله عنه- بمنطق العالم الواثق والمربي الحكيم، قال له: أتَقرَأ القُرآن؟ قلت: نعم، قال: فهل سمعتَ بمقام محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؟ يعني بذلك قوله -تعالى-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) [الإسراء:79]، قال له جابر -رضي الله عنه- فهذا هو مقام محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي يخرج الله به من النار من يخرج، ثم ساق له حديثا طويلاً في ذكر الصراط، ومرور الناس عليه، وأن بعضهم يمر كالبرق الخاطف، وبعضهم كالريح المرسلة، وبعضهم كأجاويد الخيل، ومنهم من تخطفه كلاليب جهنم، ومنهم من يكدس في النار.
يقول ذلك الرجل: فنفعني الله بهذا الحديث، ورجعت إلى أصحابي قلت لهم: يا قومي، ويلكم! أترون الشيخ يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فوالله! ما خرج منا إلا رجل واحد!.
هذه ظلمات الجهل قد بددت بأنوار العلم، جابر -رضي الله عنه- صبر على ذلك المجادل بالباطل، المجترئ على الفتوى، المسارع في القول على الله بغير علم، حتى رده عن ضلالته.
أيها المسلمون عباد الله: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا عن فتن تكون بين يدي الساعة، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- حريصين على أن يعرفوا أحكامها وأحوالها، وكيفية الخلاص منها، والتصرف فيها؛ من أجل أن يسلموا.
وكان من هؤلاء حذيفة بن اليمان، عليه من الله الرضوان، حتى قال عن نفسه: "إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة بين يدي إلى قيام الساعة".
ولما قال عمر للصحابة: "أيكم يحفظ حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الفتن؟"، قال حذيفة -رضي الله عنه-: "أنا".
كيف الخلاص من الفتن عباد الله؟ الخلاص منها يكون بأمور: أولها: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، ما عليه سواد المسلمين، جمهوره الأعظم، كن معهم أيها المسلم؛ فإن النجاة في التمسك بما عليه سواد الناس، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح.
الحديث عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتكلم عن أطوال وأحوال كانت وستكون، كنا في جاهلية وشر، كنا نعبد الأوثان، نقطع الأرحام، نسيء الجوار، نأكل الميتة، نشرب الخمر، نشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا، فأتانا الله بهذا الخير بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، يعني بذلك ما يكون بعد موته مباشرة، صلوات ربي وسلامه عليه، حين ارتد المرتدون، ومنع الزكاة المانعون، ونجم النفاق، وارتدت الأعراب، وكان المسلمون في المدينة كالغنم الشاتية في الليلة المطيرة.
فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قالوا الإشارة إلى ما يكون بعد عهد الخلافة الراشدة من زيغ في الحكم، وميل عن الحق، وإيثار للهوى، كانوا على خير، سوق الجهاد قائمة، شريعة الله مطبقة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظاهر؛ لكن هناك انحراف يسير.
فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم"، قالوا: إشارة إلى الفرق التي خرجت، كالقدرية، والجبرية، والرافضة، والخوارج، رؤوس الشر هؤلاء، وقد ضل بسببها فئام من المسلمين حين اتبعوا أهواءهم.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرشد حذيفة إلى العلاج، قال: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟، قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم"، ما عليه سواد المسلمين الأعظم، قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: "فاعتزل تلك الفرق كلها"، لا تنتسب لهذه ولا لتلك ولو اضطررت أن تعض على أصل شجرة، وهذا على سبيل المبالغة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك
ثانيا: أيها المسلمون عباد الله، المخرج لزوم الإسلام والسنة، واجتناب غرائب الأقوال والأعمال، الزم الإسلام والسنة، اجتنب غرائب الأقوال والأعمال، ما لم يكن دينا بالأمس لن يكون دينا اليوم، فإن بعض الناس مغرم بكل جديد، بكل غريب، يتبع كل ناعق، لا والله! حديث العرباض بن سارية -رضي الله عنه-، قال: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ؛ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا؛ فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ".
المؤمن ما يرى نفسه انه أهل للصدارة، أهل للحكم؛ بل يرى ذلك قدرا مقدورا، أمرا مقدرا عند الله -عز وجل-، يسمع ويطيع كالجمل الأنف، حيثما قيد انقاد.
ثالثا: أيها المسلمون عباد الله، الخلاص من الفتن باجتناب إراقة الدماء، وانتهاك حرمة المسلمين، إياك إياك -يا مسلم- أن تلقى الله وقد تلطخت يداك بدم مسلم! أقول هذا الكلام في زمان تكثر فيه الفتن، ولربما يصطرع الناس على عصبيات قبلية، ونعرات جاهلية، وأمور ما أنزل الله بها من سلطان.
إياك إياك وإراقةَ الدماء! إياك إياك وانتهاك الحرمات! فإن هذه فتن، حديث أبي بكرة نفعي بن الحارث الثقفي -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه،"، قال: فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟"، قال: فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين -أو إحدى الفئتين- فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني، هو لا يريد قتالا؛ لكن دعاة الفتنة أجبروه وأكرهوه على القتال، قال: "يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار". كن كخير ابن آدم، كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل.
وفي حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن".
رابعا: أيها المسلمون عباد الله، اعتزال الناس حين يكون الصراع على عرض زائل، على دنيا فانية، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أخبرنا أن الناس سيصطرعون على الملك، سيتنافسون على الكرسي، سينتهكون الحرمات، ويسفكون الدماء، من أجل عرض زائل، يأكل منه البر والفاجر.
في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-، قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كيف بك إذا قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء؟"، حجارة الزيت موضع في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، "كيف بك إذا قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء؟"، قال: يا رسول الله، فما تأمرني؟ قال: "اقعد في بيتك، وأغلق عليك بابك"، قال: يا رسول الله، أرأيت إن لم أترك؟ قال: "فأت القوم الذين كنت معهم فكن فيهم"، قال: يا رسول الله، أأخذ سلاحي؟ قال: "إذاً أنت مثلهم، ولكن إذا خفت أن يروعك شعاع السيف فاطرح على وجهك ثوبا حتى يبوء بإثمك وإثمه فيكون من أصحاب النار".
يكرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوصية بأن يجتنب المسلم أن يريق دم مسلم، فالسعيد كل السعد من لقي الله -عز وجل- طاهر اليد من دماء المسلمين، ما باشر قتلا ولا دعا إلى قتل ولا حرض على قتل، هذا الذي تمت سعادته؛ فإن من ورطات الأمور التي لا مخرج منها أن تلقى الله بدم عبد مسلم، فلزوال الدنيا كلها أهون على الله من قتل امرئ مسلم بغير حق.
خامسا: أيها المسلمون عباد الله، اجتناب الغضب والاستعجال في القرار، فكم من إنسان يرى منكرا فتثور ثائرته، خاصة معشر الشباب، كم من إنسان يرى منكرا تضيق الدنيا أمام عينيه ويرى أنه لا خير في البقاء بعدها، فيخرج على الناس يثير فتنا، ويسيل دماء، ويجترئ على الفتوى!كل ذلك من أجل غضبة غضبها!.
لا بد أن نراجع سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف كان في مكة -صلوات ربي وسلامه عليه- وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فصبر -عليه الصلاة والسلام-! كيف كان في المدينة، كيف كان صبره على المنافقين؟ كيف كان صبره على اليهود؟ كيف كان صبره على جفاة الأعراب غلاظ الأكباد ممن كانوا يسيئون القول والفعل؟ وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحيينا على سنته، وأن يميتنا على ملته، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يرينا حوضه، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.
توبوا إلى الله واستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله النبي الأمين، بعثه الله بالهدى واليقين؛ لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أما بعد: أيها المسلمون، فاتقوا الله حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
واعلموا -إخوتي في الله- أن الخلاص من الفتن، سادسا: يكون باتباع الرفق والحلم والأناة، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، ومن يحرم الرفق يحرم الخير كله، عليكم بالرفق!.
إذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نهى أن يقضي القاضي وهو غضبان إذا كان يقضي بين خصمين، ربما في شيء يسير من المال، ربما في خلاف زوجي، ربما في شيء من عرض الدنيا قليل، نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقضي القاضي وهو غضبان، فمن باب أولى من يريد أن يتخذ قرارا، من يريد أن يغير منكرا، من يريد أن يعمل عملا، لا بد أن يتريث، لا بد أن يتثبت.
ثم سابعا -أيها المسلمون عباد الله- علينا بقراءة التاريخ يا معشر الشباب خاصة، اعلموا أن كل صاحب فتنة خرج على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- وعاث في الأرض فسادا فإن أول أمر يسلكه أن يطعن في علماء الأمة، أن يشوه سيرتهم، أن يقدح في أعراضهم، أن يحاول تزهيد الناس في الأخذ عنهم والسماع منهم وتلقي علومهم، هذه أول مرقاة في سلم الضلال: الطعن في العلماء، كل من يطعن في علماء الأمة ويحاول أن يضلل جمهورها ويزعم أنه على الحق وحده اعلموا أنه ضال مضل؛ فإن الله -جل جلاله- برحمته عصم علماء أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- من أن يجتمعوا على ضلالة.
قد يكون الخطأ في الواحد، في الاثنين، في الثلاثة؛ أما هذا الذي يضلل جمهور العلماء ويزعم أنه هو وفئته القليلة الضئيلة التي لا يعرف لها في الإسلام قصب سبق ولا قدم صدق، اعلموا أنه على ضلال.
ثم ثامنا: لنحذر تمام الحذر من أن نذيع الأخبار وأن نشيع الأنباء قبل أن نتثبت منها؛ فإن الله -جل جلاله- قد قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)، فتثبتوا، (أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].
ألا فاعلموا -يا معشر الشباب- أن الخير كل الخير في لزوم ما عليه جمهور المسلمين، الخير كل الخير في التصبر والتثبت والتؤدة والحلم، الخير كل الخير في أن يسيء الإنسان الظن بنفسه وأن يحسن الظن بالمسلمين.
أما من أحسن الظن بنفسه فزعم أنه على الهدى المستقيم، وأنه على الحق المبين، ومن خالفه فهو على ضلالة وجهالة وعماية، لا شك أنه قد ضل ضلالا مبينا.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين.
hgtjk 2017
2013 - 2014 - 2015 - 2016
hgtjk 2017 2013 2014 2015
|