أما لغته صلى
الله عليه وسلم فهي العربية الفصحى حتى انه سئل عن سر فصاحته
{يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَكَ أَفْصَحُنَا وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ؟ قَالَ: كَانَتْ لُغَةُ إِسْمَاعِيلَ قَدْ دُرِسَتْ ، فَجَاءَ بِها جِبْرِيلُ فَحَفَظْتُهَا – أي اللغة العربية – وفى رواية : فَأَتَانِي بِهَا جِبْرِيلُ فَحَفَّظَنِيهَا}[1]
وكان بالإضافة إلي ذلك يكلِّم العرب بلغتهم ولهجاتهم حتى قال له سيدنا أبو بكر : يا رسول
الله قد عاشرت العرب , وعاشرت الروم , وعاشرت الفرس فلم أري أفصح منك فمن علمك ؟ فقال صلى
الله عليه وسلم {أدَّبَني رَبِّي فَأحْسَنَ تَأدِيِبي}
ولم يكن صلى
الله عليه وسلم يعرف العربية فقط ، بل كان يعلم لغات الأمم المجاورة ، ولذلك فعندما جاءه وفد فارس وأحضر رجلٌ من اليهود ليترجم بينهم , لاحظ صلى
الله عليه وسلم أن هذا الرجل اليهودي يلحن في قوله ، ويغير مقاصد الكلام ، فلفت نظره إلي ذلك وصحَّح خطأه للوفد ، ثم طلب من زيد بن حارثه أن يتعلم الفارسية ، وقال في ذلك
{مَنَ تَعَلَّمَ لُغَةَ قَوْمٍ أَمِنَ مَكْرَهُمْ}[2]
وكذلك كان يعرف لغة الطير , ولغة الحيوانات ، ولغة الملائكة ، و لغة الجنِّ ، ولغة جميع الآدميين ، ومن أجل هذا كانت الطيور تأتي وتشتكي له ، والحيوانات تأتي لتشتكي له ، لماذا ؟ لأنه يعرف لغاتهم ، فبينما هو جالس مع أصحابه إذا بطائر جاء من السماء ، ووضع منقاره عند إذن رسول
الله صلى
الله عليه وسلم فقال
{مَنْ فَجَّعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا، قَالَ أحَدُ الحَاضِرينَ : أنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ صلى الله عليه وسلم رُدُّوا وَلْدَهَا إلَيْهَا}[3]
وهذا يدل علي معرفته لغتها ، وأيضا بينما هو جالس {إذا بجمل يجري مسرعا متجها نحوه ، حتى وقف عند رأسه
صلى الله عليه وسلم ووضع فمه علي إذنه ، والرغاء ينزل علي رقبته ، وإذا بنفر يجرون خلفه ويقولون :
يا رسول الله هذا جملنا ، قال لهم : أعْرِفُ إنَّهُ جَاءَ ليَشْتكِيَ مِنكُمْ ، فَقَالوا : مَاذا يقول ؟ ، قال
صلى الله عليه وسلم : يقول إنكمْ رَبيْتُمُوه وهوَ صغيرٌ إلي أن كبُرَ ، ولما كبُرَ اسْتَسْمَنْتُمُوه وجَعلتُموهُ فَحْلا ، فأخرَجَ لكم إبلاً كثيرَة ، وكنتُم تَركبونهَ إلي مَواطِن الدِّفِء في الشتَاء وإلي أماكنِ الرَّخاوةِ في الصَّيف
فلمَّا كبَر وهَزُلَ لحمُهُ .. أردْتم ذَبحهُ ، . قالوا : لقد صدق فيما قال
يا رسول الله ، ثم قالوا لن نذبحه
يا رسول الله ، قال : لا ، بَلْ أشتَريهُ مِنكم ، فقالوا : بل نهبه لك
يا رسول الله ، قال : لا ، لابدَّ مِنْ دفِعِ الثَّمَن ، فأعطاهم مائة دينار ، فقالوا : رضينا
يا رسول الله ، فأخذوا المائة دينار وتركوا الجمل ، فقال
صلى الله عليه وسلم للجمل : أنْتَ حُرٌ لِوَجِهِ
الله تعالي ، قالوا : فرفع الجمل رأسه وأخذ يرغي وكأنه رجل يتكلم ، والرسول يقول آمين ثلاث مرات ، وبعد ذلك وضع فمه علي خد
رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي يقبِّله ثم أخذ طريقه في الصحراء ، ومشي
فسألوه : ماذا قال
يا رسول الله ؟ ولم سمعناك تقول ( آمين ) ثلاث مرات ؟، فقال
صلى الله عليه وسلم : لقد أرادَ أنْ يكافئني ؛ فدعا لي بثلاث دعوات ، في المرَّة الأولي قال
(سكَّن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكَّنت رعبي ) فقلت : آمين ، وفي المرَّة الثانية قال
{نصرك الله وأمتك علي عدوك وعدوهم} فقلت : آمين ، وفي المرَّة الثالثة - وكان الرسول بكي عندها – قال
(لا جعل الله بأسهم بينهم) فقلت : أمين ، قالوا ولما بكيت
يا رسول الله ؟ قال : لأن هذه الدعوات كنت سألت ربي فيهن ، فأجابني في اثنتين ، ولم يجبني في الثالثة}[4]
فالجمل يشتكي
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و الطيور تشتكى
لرسول الله ، والحيوانات كانت تشتكى
لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت تبشر به ، فعندما ظهرت الرسالة كان رجل من الكفار يرعي الغنم {فجاء ذئب وعدا علي واحدة من الغنم ، فجري إليه ليقتله ، فقال الذئب : أتمنعني رزقي؟ ، فتعجب الرجل وقال : أذئب يتكلم ؟ فقال الذئب أتعجب من هذا؟ بل الأعجب من ذلك أن
محمد صلى الله عليه وسلم خلف هذه الحرة
(يقصد المدينة) يدعوا الناس إلي
الله وأنت لا تدري ، قال : وأنا أريد أن أذهب إليه؟ لكن من يحرس لي غنمي؟ قال له الذئب : أنا}[5]
فالذئب يحرس الغنم حتى يؤمن الرجل بالله ، أي أنه يريد أن يدعوه إلي
الله ، فأين نذهب نحن ؟ لتعرفوا فضل الدعوة إلي
الله {فـذهب الرجل إلي
رسول الله وآمن ، وحكي له ما حدث - وكان شاكا في كلام الذئب وغير واثق به - فقال له الرسول : لا تخف ، فلن يفعل الذئب بهم سوءا ، فـذهب بالفعل ، ووجد الذئب حارساً للغنم ، فـذبح الرجل له نعجة ، وقال له : هذه هدية لك لأنك حرست الغنم حتى رجعت}
فحتي الحيوانات تعرف
رسالة رسول الله ، وكانت تشتكي إليه وكانت تتوسل به ، وكانت تدعو إليه
صلوات الله وسلامه عليه