على الرغم من الموقف من
السعودي الصريح بأن العنصر الفلسطيني هو الذي يجب أن يدير المواجهة بنفسه، مع إمداده ودعمه بالمدد المالي والسياسي واللوجيستي، فإن أبناء السعودية قد جادوا بأنفسهم وأرواحهم في مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في حرب
فلسطين عام 1948.
فحين اندلعت المعارك الطاحنة بين الثوار الفلسطينيين والإسرائيليين بعد صدور قرار التقسيم بخمسة أشهر، وصل وفد عربي إلى المملكة ضم كلا من عبد الرحمن عزام الأمين العام للجامعة العربية، ومفتي
فلسطين أمين الحسيني، ورياض الصلح رئيس وزراء لبنان، وجميل مردم بك رئيس وزراء سوريا، وعرضوا على الملك عبد العزيز خلاصة الموقف في
فلسطين – وفقا لدراسة تاريخية أعدها الباحثان رياض شاهين، وعبد الحميد الفراني في مؤتمر بجامعة نابلس عن موقف السعودية من القضية الفلسطينية. وقد استغرقت الاجتماعات بين الملك والوفد أكثر من أسبوع، وكان رأي الملك عدم اشتراك الدول العربية في حرب فلسطين، وكان من رأيه أيضا تسليح أهالي فلسطين، ومساعدتهم ماديا للدفاع عن بلادهم.
ومع احتدام الجدال، وإصرار الجميع على خوض الحرب ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين، قدم الملك عبد العزيز اقتراحا آخر، يقضي بأن يقوم الفلسطينيون بثورة عارمة من الداخل، وعلى العرب من كل جانب أن يزودوهم بالعدة والعتاد، إلى جانب المتطوعين الذين يشدون أزرهم، وبدأ الملك عبد العزيز بنفسه فقال لهم: «ومن الآن أضع تحت أمرهم خمسين ألف متطوع»، لكن غلبة الرأي كانت في النهاية للاقتراح القائل بضرورة الحرب الخاطفة.
كان الملك عبد العزيز يعتقد أن الوسيلة الوحيدة لمنع قيام دولة عبرية هي تنظيم حرب عصابات ضد الكتائب اليهودية، وانسجاما مع هذه النظرة أصدر أوامره إلى رؤساء قبائل نجد وما حولها بتقديم متطوعين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخمسين سنة، وإرسالهم إلى الجوف – شمال غربي المملكة – كي يعمل على إيفادهم لنجدة الفلسطينيين.
كانت القوات السعودية والتي بلغ عددها نحو ثلاثة آلاف مقاتل من مختلف الرتب العسكرية موزعة على كتيبتين كل منهما ألف وخمسمائة مقاتل، وقسمت الكتيبة الواحدة إلى ثلاث سرايا مقاتلة رئيسة، وكل سرية مؤلفة من ثلاثة فصائل مشاة، وفصيل رشاش، وثلاثة فصائل ومصفحات، وكانت السرية الواحدة تضم نحو 220 مقاتلا، وقد وزعت السرايا على النحو التالي:
– السرية الأولى: بقيادة الملازم عبد الله العيسى، ونائبه الملازم إبراهيم محمد المالك.
– السرية الثانية: بقيادة النقيب حسن ناظر، ونائبه الملازم على قباني.
– السرية الثالثة: بقيادة الملازم أول محمد الهنيدي، ونائبه الملازم صالح النصيان.
كانت تلك الدفعة الأولى من
الجيش السعودي إلى جانب القوات المصرية، أما الدفعة الثانية التي شكلتها الكتيبة الثانية فقد وزعت على النحو الآتي:
– السرية الأولى: بقيادة الملازم أول محمد سكر.
– السرية الثانية: بقيادة الملازم ناصر الموسى.
– السرية الثالثة: بقيادة الملازم حمزة عجلان.
– سرية مدرعات: بقيادة الملازم رشيد البلاع.
وفقا لما روته عائشة المسند في كتابها «المملكة العربية السعودية وقضية فلسطين».
وكان القائد العام للقوات السعودية العقيد سعيد الكردي ونائبه الرائد عبد الله بن نامي، وبعد انسحاب القوتين المصرية والسعودية من غزة إلى سيناء في أعقاب الهدنة الأولى في 29 مايو (أيار)
1948 عُين العميد إبراهيم الطاسان، يساعده عدد من الضباط منهم الملازم رشيد البلاع، واليوزباشي تركي الراشد، والصاغ أمين شاكر، وعبد الهادي محمود، والدكتور أحمد شلبي.
غادرت القوات السعودية الطائف في 21 مايو
1948 في طريقها إلى جدة، وعلى متن طائرات سعودية غادرت هذه القوات مدينة جدة بعد أن ودعها وزير الدفاع الأمير منصور بن عبد العزيز وجماهير غفيرة من الشعب
السعودي إلى القاهرة، فأنزلت قواتها خفيفة التسليح في ميناء «فاروق»، أما الأسلحة الثقيلة والقوات المدرعة والذخائر والتجهيزات الاحتياطية فقد أرسلت بحرا فأنزلت في ميناء السويس، وبعد أن تجمعت القوات السعودية – المصرية في العريش دخلت
فلسطين عن طريق رفح، وواصلت سيرها إلى غزة، وعند وصولها غزة أشغلت تلة المنطار المقابلة للمستعمرات اليهودية الشرقية، وبعد شغلها المواقع شاغلت العدو الذي كان يرابط في تلك المستعمرات، وقامت بدوريات مقاتلة بين تلك المستعمرات، كما قامت بنسف أنابيب المياه وعرقلة سير القوافل التي كانت تمون تلك المستعمرات، كما أنها اشتركت في خطوط القتال الأمامية إلى جانب القوات المصرية، وشاركت في الهجوم على «بيت عَفا»، واستمرت المعركة سبعة أيام متوالية استخدمت فيها القوات السعودية إلى جانب المصرية عموم الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وفي معركة «بئيرون يتسحاق» شارك الجنود السعوديون باقتحامهم الحصون، وحقول الألغام والأسلاك الشائكة.
كان من نتائج القتال أن استطاعت القوات المصرية السعودية استرداد الشريط الساحلي المحاذي لساحل البحر الأبيض من رفح على الحدود المصرية جنوبا حتى مدينة أسدود شمالا، مرورا بدير البلح وخان يونس وغزة ودير سنيد والمجدل، وظل الحال على ذلك حتى عُقدت الهدنة الأولى بين العرب وإسرائيل في 29 مايو 1948. في هذه الأثناء كانت الهيئة العربية العليا في
فلسطين قد طلبت من الجامعة العربية إعلان قيام دولة عربية فلسطينية عقب إعلان نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين، إلا أن هذا الطلب لم ينظر فيه في حينه، ولكن قبل استئناف القتال قررت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية إقامة إدارة مدنية فلسطينية مؤقتة في المناطق التي تسيطر عليها الجيوش العربية، غير أن هذا المشروع بقي اسميا ولم ينفذ في حينه.
ويضيف الأسمري(مؤلف كتاب
الجيش السعودي في حرب
فلسطين 1948) : «لقد باشرت القوات السعودية القتال جنبًا إلى جنب مع القوات المصرية، وكانت المعركة الأولى للجيش
السعودي في بيت حانون على بعد 9 كيلومترات عن غزة شمالاً، وتواجه المعسكر
السعودي مستعمرة (بيرون إسحاق) التي تؤمن ثلاث قرى أخرى بالماء، وقد كان السجال بين القوات المصرية واليهود على هذا الموقع.. وتقرر طرد اليهود من الموقع، فتقدمت القوات المصرية ومعها السعودية بقيادة القائمقام (سعيد الكردي) من تقاطع طريق غزة - بئر السبع وتقدمت ثلاثة فصائل من الجناح الأيمن، ودخلت حتى مسافة 50 ياردة من الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستعمرة وحصونها الأمامية، وعملت القوات السعودية حركة التفاف حول المستعمرة لتلتقي القوات المصرية الأمامية وجناحها الأيسر، ودمرت البئر، وانسحبت قوات اليهود من مواقع أخرى لمواجهة القوات السعودية، وحصل خلل في الميمنة أدى إلى تراجع وانسحاب بأمر القيادة».
ووصف المؤلف الأسمري المشاركة السعودية بأنها حدث يثير الإعجاب، محددًا أهم المواقع والمعارك التي شارك فيها
الجيش السعودي في حرب
فلسطين عام 48 قائلاً: «تعددت المواقع والمعارك التي شاركت فيها القوات السعودية على أرض فلسطين، ولعل ما يثير الإعجاب بالمقدرة القتالية للجيش
السعودي ليس فقط الروح القتالية والحماسية والشجاعة والبطولة والنصر التي قابلها في أغلب المعارك التي خاضوها، بل بالكيفية التي مارسوها أثناء المعارك رغم حداثة العمر والتجربة للضباط السعوديين وعدم المعرفة بأرض مسرح القتال واختلاف مصطلحات التدريب والإيعازات والأسلحة، ومن أهم المواقع والمعارك التي شارك فيها
الجيش السعودي في
فلسطين معركة (دير سنيد، أسدود، نجبا، المجدل، عراق سويدان، الحليقات، بيرون إسحاق، كراتيا، بيت طيما، بيت حنون، بيت لاهيا، غزة، رفح، العسلوج، وتبة الخيش، على المنطار، الشيخ نوران)».
معركة عين خفر
معركة عين خفر قرب قناة السويس، وقام فيها 8300 جندي سعودي بالصمود والتصدي للجيش الإسرائيلي المكون من 31600 جندي بعد اشتباك ومحاصرة للجنود السعوديين لمدة 4 أيام، صمد فيها وانتصر الجنود السعوديون بذكاء اللواء
السعودي مفلح التميمي الذي عمل بالجنود السعوديين حرب عصابات؛ وبالتالي أنهك اللواء الإسرائيلي المكون من 31600 جندي، وانتهت المعركة بأسر 476 جندياً إسرائيلياً و1784 شهيداً من الجنود السعوديين، كما حصلت مذبحة تقدر بـ 27409 قتلى من اللواء الإسرائيلي وفرار 3715 جندياً إسرائيلياً.
وانتهت الحرب في عام 1949م بعد إقرار اتفاقية ردوس، وانسحب
الجيش السعودي من
فلسطين في اليوم الذي وقع فيه المصريون اتفاق الهدنة مع إسرائيل، وكان ذلك في 24 فبراير 1949. وفي خلال الأشهر التسعة التي قضاها في هذه البلاد فقد ثمانية وستين شهيداً، أربعة منهم ضباط، وخمسة وكلاء، وثمانية نواب، وأربعة عرفاء، والباقون جنود. وبقيت القوات السعودية في مصر لمدة عام كامل حسب طلب الحكومة المصرية تحسباً لأي طلب، وبعدها عاد
الجيش السعودي إلى أرض الوطن، واستُقبل استقبالاً كبيراً من الشعب والقيادة. وأثنى الضباط المصريون والأردنيون على بطولة الجندي
السعودي وشهامته وشجاعته في المعارك التي خاضها.
وسقط أكثر من 96 شهيداً على أرض
فلسطين من
الجيش السعودي في معارك مختلفة من فلسطين، منها في اللد وحيفا ويافا والقدس والرملة والنقب وباب الـــــواد وغيرها. وقد منحـت الحكومة السعودية الضباط والجنود الذين اشتركوا في حرب
فلسطين أوسمة، وأمر الملك عبدالعزيز بترقية جميع الضباط.
أما السعوديون المتطوعون الذين استشهدوا في الحرب فيبلغون ثمانية وثمانين شهيداً.
منقول من عدة مصادر