قصة
الجنوبي والشمالية .....لعيونكم
& قصة حياة
الجنوبي &
سنبدأ فورا في سرد قصة حياة
الجنوبي ، هذا الكائن
الرقيق المفعم بالعواطف ،
لكي تفهمين
الجنوبي عليك أن تعلمي أين يعيش....؟؟؟
فمكان عيش كل نمط تحدد ملامح شخصيته ، فكما رأينا بأن الشمالي يعيش في غابة ،
جعلته يصبح متوترا حذرا قليل التواصل مع الآخرين ، ... سنرى الآن
أن
الجنوبي أيضا يعيش في مكان مختلف ، يشكل جوانب شخصيته ،
يعيش
الجنوبي في قطب متجمد ، فهل شاهدت ذات يوم قطب متجمد حيث الثلوج
تغطي كل شيء والليل يستمر طوال اليوم ، والبرد القارس يسيطر على الأجواء ،
إن
الجنوبي بجهازه العصبي والهرموني ، يعيش في صقيع كهذا الصقيع ،
تماما كما الشمالي بجهازه الهرموني والعصبي يعيش في أجواء الغابة
التي تستدعي الحذر طوال الوقت ،
الجسد وعاء الإنسان ، وبيته ، وبيئته أيضا ،
والجنوبي بكل ما لديه يعيش في صقيع وعالم من الثلج ،
لا يد للجنوبي في ما هو عليه ، لقد وجد نفسه بشكل مفاجئ في هذه الأرض ،
وكان عليه أن يخوض صراعا مريرا من أجل البقاء ،
نظر
الجنوبي الذي يتجمد من شدة البرد حوله بحثا عمن يهبه الدفء
تلفت عبر الظلمة هنا وهناك ، فلم يرَ شيء ثم نظر من جديد ، لكنه لم يرى أحدا ،
وبقي طوال تلك الأيام يبحث ، حتى بات يشعر باليأس ، فقرر أن يبدأ في
المشي إلى الأمام قليلا ، لكن السير على هذه الثلوج خطر آخر ،
فقد يسقط في هوة عميقة مخفية تحت الثلج ،
ولهذا يلزم مكانه ولا يغامر ، ولا يحرك ساكنا ،
وبينما هو على هذا الحال ، سمع صوت ضحكات أطفال في الجوار ، فمد بصره قليلا ،
ليكتشف أن ثمة قبيلة قد أتت لتقيم إلى جواره ، فجن جنونه من شدة الفرح ،
وأخيرا وجد أشخاصا يأنس إليهم ، فسارع إليهم بابتسامة طيبة مرحبة ،
فارعا يديه على مصراعيهما ، وراغبا في ضمهم إلى صدره ، إنه سعيد جدا بهم ،
سعيد حتى الإستغراق ، كم هو سعيد ، فقد شعر أخيرا بالأمان والإستئناس
عليه أن يتمسك بهذه القبيلة ، وأن ينضم إليهم مهما كان الثمن ،
إنه بحاجتهم ، فهو قد يموت إن بقي وحيدا ، بعيدا عنهم ،
وبشكل خاص في هذه البقعة المتجمدة من الدنيا ،
وما إن بات بينهم حتى بدأت الدماء تتحرك في عروقه ، وشعر بالحياة تسري
في جسده ، وبات يضحك ويقهقه ، ويتحدث معهم بمودة ومحبة ،
وهم أيضا حينما لمسوا طيبة قلبه ، وصفاء سريرته ، أحبوه ،
وقبلوا ضمه إليهم ،
كان على
الجنوبي أن يقوم ببعض الأعمال لهذه الجماعة ،
لكي يقبلوا به على الدوام ، فهو يعلم قانون العالم المتجمد ،
كل شخص عليه أن يؤدي خدمة ما للجماعة ،
ولهذا تطوع كغيره من الجنوبيين في خدمة كل فرد من أفراد الجماعة ،
إنهم يتبادلون الخدمات بشكل مستمر ،
لكنه لا يفعل أي شيء لنفسه وحده ، كل ما لديه ملك للكل ،
وكل ما لدى الآخرين ملكه ،
هذا أمر يشعره بالراحة ، والإسترخاء ،
يستطيع الإسترخاء حقيقة فعمل الواحد منهم كعملهم جميعا ،
مع هذه الجماعة بات أكثر قدرة على النوم
ثمة من يحرسه ، وثمة من يغسل ملابسه وثمة من يهتم بطعامه
إن عمله لا يتجاوز الساعتين
فأفراد القبيلة كثر ، ويتناوبون ، ياااااااه ما أجمل التعاون
كم هو مريح كم هو جميل ، كم هو مبدع هذا التعاون
لكن ،
لا توجد خصوصية هناك ، لا شيء لك وحدك ، لا يمكنك غلق باب بيتك ففي أية
لحظة قد يحتاج أحدهم للمبيت عندك ، فكوارث تلك البقعة من الأرض كثيرة ،
ومفاجئة ،
إن الجماعة تهبه الدفء والأمن والإستقرار بطريقة جيدة ، فمعهم أصبح أكثر أمنا ،
إنهم كجماعة بمقدورهم مساندة بعضهم والدفاع عن بعضهم .
في البقع الثلجية من العالم ، كل شيء ممل ، وكل شيء بارد وقارس ،
والحياة هناك لا تساوي شيئا بلا صديق وونيس ،
إن ما يجعل الحياة وساعات اليوم تمر بسلام ،
هما شيئان فقط :
1- المجموعة ( الأصدقاء والزوجة ) .
2- النوم .
عليه أن ينام قدر استطاعته ، لكي يتجاوز ساعات اليوم الكئيبة الباردة ،
وفيما عدا ذلك فإنه سيقضي باقي اليوم في العناية بأصدقائه الجدد
والتحدث معهم ،
الجنوبي لا يبني المستقبل ، لأنه مع الإنهيارات الثلجية ،
ومع التنقل المستمر للجماعة لا يوجد مستقبل ، ولا توجد طرق راسخة للبناء ،
وكما ترون ، فإن
الجنوبي الذي أصبح سعيدا بجماعته الجديدة ، بدأ يتنقل معهم ،
وكان يحدث نفسه لو أنه يلتقي بفتاة أحلامه الدافئة المشرقة ،
كانت في القبيلة التي بات ينتمي إليها مجموعة كبيرة من الفتيات
وكلهن معجبات ، وهو يميل إلى استلطافهن والتودد إليهن بشكل مستمر ،
فكثيرا ما يخبرهن كم هن جميلات ، وكثيرا ما يهدي إحداهن تمثالا جميلا من
الثلج ، فيما يرمقهن جميعا بنظرة فاحصة بين وقت وآخر ، لكنه يتوق إلى أمر آخر ،
أمر يفتقده ،
إنه كالشمالي الذي يقع في حب الجنوبية لأنها تمتلك ما يفتقده ،
حيث تمتلك الحب والحنان الظاهر والغامر .
وهكذا فإن
الجنوبي سيقع ذات يوم في حب امرأة تفيض دفئا ، ونشاطا ،
امرأة تحمل ما ينقصه ، تحمل النار المتأججة ، التي ستسري في أوصاله وتعيد إليه الدفء
كان
الجنوبي حتى ذلك الحين ، قد حقق مكانة كبيرة بين أفراد القبيلة ،
وقد استطاع بحكمته وسديد رأيه أن يتبوأ مركزا طيبا لدى رئيس القبيلة فأصبح
مستشاره الخاص ،
وبينما هو يتنقل عبر الثلوج ، عثر على فتاة قد تاهت من قبيلة ربيعية
بينما كانوا يعبرون القطب ، سقطت بين الثلوج ، أسرع إلى نجدتها ،
وكانت باردة حد الموت ،
حاول الجنوبيون إنقاذها ، وبالفعل تمكنوا من ذلك ، ورحبوا بها في القبيلة ،
بدأ
الجنوبي يراقب هذه الضيفة القادمة من المجهول ، والتي تختلف عنهم في كل شيء ،
وكأنها كائن مختلف ، إنها نشطة ، ولا تعير العواطف الكثير من الإهتمام ،
تعمل صامتة ، وتعمل بجدية ، وتنهي الكثير من الأعمال في وقت واحد ،
ولا تكاد تشعر بالبرد ، كما أنها لا تهتم كثيرا لعينيه الفضوليتين
ولا لتوددات أفراد القبيلة المستمرة ،
ينظر لها
الجنوبي ، المستشار والقائد الجديد ،
وتعتمل مشاعر الحب والإعجاب في قلبه نحوها ، ولا يكاد يرى سواها ،
وفجأة يصبح مخلصا ، فيتوقف عن ممازحة بنات القبيلة ،
ويخصص كل مشاعره للتفكير في فتاته الشمالية ،
عندما ينظر
الجنوبي للشمالية ، يرى كم هي منهكة متعبة ، وكم هي باردة من الخارج ،
فيعتقد أنه المنقذ لها ، وأن عليه أن يسرع إلى تلبية احتياجاتها
من الحب والإحتضان ،
الجنوبي كغيره من الناس يرى العالم بمنظوره الخاص ، ويعتقد أن كل الناس
مثله تشبه في احتياجاته ، وأن الشمالية لا تحتاج حاليا إلى أكثر من الحب
والدفء والإنتماء الذي كان قد احتاج إليه سابقا ، عندما كان وحيدا ،
الشمالية حركت لديه بعض المشاعر لأنها خاطبت الإختلاف ،
والجنوبي يشعر بانجذاب ، ويرغب لو أنه يستطيع أن يبث ذلك الحب الكبير والود إليها ،
لكنه خائف متردد ويشعر بالخجل بعض الشيء ،
لكن الشمالية الجريئة شعرت به ، وأدركت أنه يراقبها ، فاقتربت منه وسألته
إن كان يرغب في قول شيء ،
لكن
الجنوبي أصيب بالتوتر والتردد من جديد ، وبدأ يحدث نفسه عن قوتها وجرأتها ،
ورأى أن بامكانه البوح ،
فباح لها ، بما في قلبه ، وأنه يرغب في الزواج ،
طلبت الشمالية مهلة قصيرة للتفكير ،
إنها متسرعة ولهذا وافقت بعد هنيهة ،
لكنها سألته عن مهرها فماذا قال.....؟؟؟
قال لها : أعدك أن لا أتركك وحيدة أبدا وأن أمدك كل لحظة من حياتك بالحب
الذي تحتاجين إليه ، وأن أجعلك تعيشين مدى عمرك دافئة .
فكيف فهمت الشمالية الكلام.....؟؟؟
أعدك أن لا أتركك وحيدة : أن يلازمها حتى حينما تقرر الإنفصال عن
الجماعة ، والرحيل إلى بقعة أكثر أمنا .
أجعلك تعيشين في دفء : أي أبني لك بيتا في مكان دافئ وحميم .
ومرت الأيام
والشمالية تنتظر والجنوبي طيب القلب المسالم ، لا يفعل شيئا
أكثر من احتضانها بالحب والعطف كل ليلة ،
ويداعبها طوال اليوم ، ويتباهى بها أمام أفراد قبيلته ، كم هو فخور بزوجته
منصرفا بذلك عن مغازلة جميع نساء القبيلة ،
وكانت الشمالية في بداية الأمر مثله ، منغمسة بطبيعتها كأنثى في أحضان
حبه ووده ، وسعيدة به ، ... لكن...
في إحدى الأيام ، استيقظت الشمالية فوجدت أن بيت الجيران قد انهار ،
بسبب انهيار ثلجي أثناء الليل ، فشعرت بالرعب ، وفكرت أن ذات الشيء سيحدث لهما
لو أنهما بقيا هنا....
فسارعت إلى زوجها
الجنوبي تخبره ما حدث ، لكن
الجنوبي لم يحرك ساكنا ،
كل ما فعله أنه ساهم مع أفراد القبيلة في دفن الموتى ،
بقيت الشمالية تفكر،
والجنوبي عاد إليها أكثر شوقا ، يملؤه الحب ، والود ،
وهو يفكر في أعماقه ، ها قد حصلت على امرأة هي كل كياني ،
امرأة تختلف عن كل نساء القبيلة ، يحسدني عليها الكل ،
كم أحبها ، سأعوضها عن كل أيام البرد التي عانتها ،
وسآخذها في قلبي أبد الدهر ، لا تساويها امرأة أخرى ،
سأحتضنها كلما كانت بقربي ، ولن أسمح لمكروه أن يمسها ،
بينما الشمالية تفكر في الوعود التي قطعها
الجنوبي على نفسه ولم ينفذها
حتى الآن ، فأين الأمن الذي وعدها به ..........؟؟؟
الجنوبي مثله مثل الشمالي يحب الأمن والسلامة
لكن الشمالي يرى تحقيق الأمن عبر الإنجازات الشخصية ،
فيما يرى
الجنوبي الأمن عبر العلاقات الإجتماعية ،
أتمنى أن تتضح الصورة أكثر ،
كل إنسان بحاجة للإحساس بالأمن والسلامة ؛
لكنها لدى الشمالي هاجس في الحقيقة ،
وكل إنسان يحب المودة والألفة والتواصل مع الآخرين ؛
لكنها لدى
الجنوبي هاجس خاص ،
وكل إنسان يحب النظام والترتيب والتنسيق ؛
لكنها لدى الشرقي هاجس حقيقي ،
وكل إنسان يحب التجديد والإستمتاع والإنطلاق ؛
لكنها لدى الغربي هاجس مستمر .
وهكذا نقول :
الشمالي : هاجسه الأمن والسلامة .
الجنوبي : هاجسه الحب والمودة .
الشرقي : هاجسه الأنظمة والتطبيق .
الغربي: هاجسه الحرية والإستمتاع .
ونكمل حكاية
الجنوبي ،
عندما عاد
الجنوبي الرجل الرقيق المشاعر إلى حبيبته الشمالية ،
وجدها غاضبة متجهمة ، فحاول أن يعرف سبب غضبها ،
فانفجرت به لأول مرة وبصوت عالٍ
تصرخ : لقد كذبت علي ، لقد أخبرتني أنك ستشعرني بالأمن ، لكن لا شيء حدث ،
بالعكس إني أعاني الخوف كل يوم ، لم تعد لدي الرغبة في الإنجاب ،
ولست أرغب في البقاء معك ، إنك لا تفعل أي شيء لتحميني....
لكن
الجنوبي كيف يسمع كلامها : إنك لا تحتضنني كفاية ، إنك لا تقبلني كفاية ،
إني بحاجة إلى المزيد من الدفء .
فيبادر إلى الإقتراب واحتضانها ، لكنها بكل قسوة تدفعه بعيدا ،
فهي تعاني ضغطا رهيبا ، فهي تعيش في غابة والخيارات غير متوفرة ،
وهو يعيش في قطب متجمد ولا خيار ،
عندما تدفعه عنها يصاب
الجنوبي بالصدمة والخوف معا ، وينظر لها كأنه
لأول مرة يراها ، إنها كالوحش الهائج ، لا يمكنه الإقتراب أكثر ،
لأول مرة يرى وجها قاسيا باردا كهذا ،
لم يكن يعرف أن عدم الأمان هو كرباج الضغط الذي يسلط الشماليين ،
والذي يحولهم إلى متسلطين ،
كانت الشمالية تفكر طوال الوقت في الإنهيار الذي أودى بحياة جارتها ،
وتنظر للقبيلة الجبانة التي ما حاولت يوما أن تجعل حياتها أكثر أمنا ،
وتساءلت أمام كل أفراد القبيلة : لماذا لا تتركون المكان ،
لماذا لا ترحلون ........؟؟؟
لكن أفراد القبيلة الجنوبيين : يخشون الرحيل في هذا الفصل من السنة ،
يتأنون كثيرا ، ولا يستطيعون السير إلى مسافة بعيدة ، إنهم يعرفون حدود إمكانياتهم ....
لكن الشمالية لا تعلم ....
ثم تقرر الرحيل مع زوجها وحدهما.........
كان
الجنوبي يستمع إلى حديثها ، ويحدث نفسه بأن كلامها صحيح ،
فقط لو أنه يستطيع إقناعها بالتريث ، حتى يهدأ الجو ،
لكنها مصرة ،
فيحايلها التريث ،
لكنها مصرة ،
إنها عنيدة ، ومتسرعة ،
فيقول لها : لا أستطيع ترك قبيلتي بهذه السهولة ، إنهم يعلقون علي الآمال ،
أصبحت قائدهم لا أستطيع التخلي عن مكانتي ومنصبي بسهولة ،
افهميني ، تريثي قليلا ، لعلنا نجد حلا آخر ،
لكن الشمالية تعلم أنه ما إن يحل الربيع وتهدأ الأوضاع سيعود جميع
أفراد القبيلة إلى اللهو واللعب ، ولن تتمكن من السيطرة بعد ذلك على زوجها ،
لن تتمكن من إقناعه بالرحيل ،
عليها أن تفعل ذلك الآن ، بما أن المكان ينبأ بالكوارث ،
إنه أفضل توقيت للتأثير على زوجها ،
الجنوبي هذا الرجل المحب ، لا يكاد يرفض لها طلبا ، لكنه لا يستطيع
الإنفصال عن الجماعة ،
إنه يعرف ماذا يحدث للإنسان حينما يبقى وحيدا ،
وقد جرب ماذا تعني الوحدة في الصقيع ،
لكن الشمالية لا ترى أنها وحيدة مادام هو معها ، فهو كل حياتها ،
والقبيلة لا تهمها كثيرا ،
لكن
الجنوبي يرى أن كل القبيلة هو ، إن القبيلة هي زاده في هذه الحياة ،
وهي أساس سعادته وراحة باله ،
لكن الشمالية لا تكاد تفهم ،
إنها تصر على اقتلاعه من جذوره ،
إنها تصر على فصله عن رحم الراحة ،
فيحاول الضغط عليها فيقول : لكني لن أرحل معك ستضطرين للرحيل وحدك ،
فتصاب الشمالية بالرعب ، فهي لا تكاد تعيش بدونه ،
فتحاول من جديد بكل الطرق لإقناعه ،
ولأنه طيب القلب محب ودود
يقبل أخيرا .
وهكذا ترحل الشمالية ويتبعها
الجنوبي غير مقتنع ،
وفي قلبه حزن عميق على تركه أحبته في القبيلة ،
وبمجرد أن تركا القبيلة ، بات كل أفراد القبيلة يفكرون في الرحيل ،
فالشمالية حركت لديهن الأمل ، والحماس لذلك ،
لكن الشمالية وزوجها المحب قد غادروا مبكرا ،
وتجاوزوا مسافة كبيرة ،
كان
الجنوبي قد بدأ يشعر بالإرهاق والتعب ،
وكانت الشمالية تقوده ،
وكان يتمنى لو أنها تتوقف قليلا ليتبادلا القبل والإحتضان ،
فهو يشعر بالبرودة تكاد تقتلع روحه ،
لكن الشمالية الغابة ، لا تشعر سوى بالخوف والوحشة من المكان ،
وترغب في الوصول سريعا إلى وجهتها ،
وفجأة وبينما هي تسير ،
إلتفتت للخلف لترى جنوبيها ( زوجها ) وقد سقط أرضا ،
أسرعت إليه وبدأت تحتضنه وتبكي ،
لكنه بقي في غيبوبته ،
فشعرت وبشكل مفاجئ أي فاجعة أصابتها ،
كانت طوال الوقت تؤذي صاحبها ،
حملته بين ذراعيها ، وضمته بشدة ، وهي تبكي وترجوه أن يفيق ،
وتعده أنها ستتوقف في المرة التالية ولن تتركه يموت بردا ،
وبينما هي على حالها ، سمعته يهمهم ،
ففتح عينيه وطلب منها أن تضمه أكثر ،
ففعلت ،
وفي اليوم التالي بات
الجنوبي أفضل ، وصارت صحته بخير ،
لكنه لا زال منهكا ،
فطلب منها الإسترخاء لبعض الوقت ،
لكن الشمالية نظرت حولها فرأت أن المكان لا يشجع على البقاء ،
وقالت : لم يبقى الكثير ، الغابة في الجوار ،
وصارت تفكر : لم كل هذا ، لماذا يتعب
الجنوبي سريعا ، أليس هو الرجل
وعليه أن يكون أكثر نشاطا مني ....
وكان
الجنوبي يفكر : ما هذه المرأة القاسية ، كيف لها أن تفعل بي هذا ،
ألا تشعر بالبرد ، ألا ترغب في الدفء ، لماذا لا تقترب مني أثناء السفر ،
لماذا تصر على المشي أمامي ، وغرس الغصن الناشف في الأرض ،
فسألها : لماذا تغرسين غصنا ناشفا في الأرض أمامك كلما سرت.....؟؟
قالت: لكي أتأكد بأن الأرض أمامي صلبة ، فلا أقع في هوة ، وأتركك ورائي ،
لأني وجدتك متردداً وخائفاً ....
شعر
الجنوبي بالإعجاب بها أكثر ، لكنه لم يعد يحبها كما السابق ،
فهي في نظره شيء مختلف ، هي ليست امرأة بمعنى المرأة التي كان يعرفها ،
فنساء القبيلة مختلفات ، إنهن دافئات ، ملتصقات ، فاتنات ، أمهات الحب فعلا ،
لكن هذه المرأة ليست سوى عقل يسير على الأرض......
إنها كرجل.......!!!!
وبينما هما مستغرقان في التفكير ،
شاهدا القبيلة تقترب منهما ، فشعرت الشمالية بالخوف ، والضيق ،
إنها تخشى أن تؤثر القبيلة على زوجها ، فتمنعه من السفر ،
أو أن يعطلون الرحلة بكثرة الإسترخاء ،
لكن
الجنوبي ما أن رآهم حتى شعر بالفرح ، شعر بالسعادة الغامرة ،
وكأن الحياة عادت إليه من جديد ،
إنه بحاجة إليهم ، فقد شعر بالوحدة والبرد القارص عندما تركهم ،
الشمالية التي علق عليها الآمال لم تعوضه شيئا فقط عذبته ، وتركته يتألم بردا ،
إنها قاسية لا تشعر به ، إنها جونكر لا تكاد تتعب ،
إنها مخيفة في الوحشة ، فهي لا تقترب ولا تحب ولا تود ،
إنها لا تفكر سوى في نفسها ،
تريد العودة إلى موطنها ، إلى عالمها ، حتى ولو كان على حساب حياتي أنا
الجنوبي المسكين ،
إنها مجرد وحش كاسر يختبئ تحت هذا المظهر الأنيق ،
وعندما التقى بالقبيلة حياهم ، وسألهم : كيف وصلتم إلى هنا....؟؟
قالوا : لقد فكرنا في كلام الشمالية ، ورأينا أن كلامها صحيح ،
علينا أن نتحرك ، فلحقنا بكم ...؟؟
أين هي كي نشكرها ...
فكر
الجنوبي في كلامهم ، وقال في نفسه : نعم هي خير من يفكر ،
لكنها لا تكاد تشعر بالآخرين إننا على لحم بطننا منذ الأمس
وإني أستغرب قدرتها على مواصلة العمل بلا طعام ،
ثم قال لهم : إنها تعمل هناك ، إنها تصعد الجبل ، لترى الطريق الذي سنسلكه غدا ،
فقالت القبيلة : ياه، تلك امرأة جسورة ، هنيئا لك بها ،
فقال
الجنوبي في نفسه ليتكم تعلمون ما أنا فيه من هم ،
لكن أحد أفراد القبيلة الحكماء سأله : مابالك تبدو متعبا ، ولونك أزرق ،
وكأنك تموت ..؟
فأجابه : إني أعاني البرد القارس بحق يا جدي ، إني متعب ،
فقال له الحكيم : تزوج من أخرى ، أنت بحاجة إلى هذا الزواج ، ....
الجنوبي : نعم أنا بحاجة ، لكني لا أرغب في جرح مشاعرها فهي حساسة ،
وأقل أمر يجرحها ، لست أعرف كيف أتصرف لألبي احتياجاتي بدون أن أجرحها ،
ليتها تفهمني ليتها تعرف احتياجاتي ..
فقال الحكيم : تزوج سرا .....
لكن
الجنوبي فكر كثيرا ، إنه رقيق القلب ، لا يحب أن يجرح أحدا ،
وفي نفس الوقت يحبها ، ولا تهون عليه ،
لكنه يكاد يموت من برود مشاعرها ،
يكاد يقتله البرود
وكان
الجنوبي المحب الجميل الطيب القلب الشهم يقاوم كل الألم
الذي يعتريه من شدة البرد ،
ويتظاهر أمام القبيلة بأنه دافئ وبخير ،
حتى أوهنته البرودة ، وصار يتحرك بتعب شديد ،
وبات مريضا ،
وكانت إحدى فتيات القبيلة الطيبات الجنوبيات تعتني به
كانت ترمقه بإعجاب ،
وكان يتجاهلها احتراما لزوجته ،
لكنها تعود لتثير حاجته عبر كلمات طيبة ،
وكان يقاوم ،
وكان يحاول التقرب من شماليته الحسناء ،
التي لم تكن تفكر سوى في كيفية طي الطريق للوصول إلى الغابة ....
حاول
الجنوبي أن يلفت انتباه الشمالية إلى حاجته الأساسية
لكنها لم تفهم ،
إنها لا تفهم سر هذه الرغبة في الحب ، والمودة ،
إنها ذات جهاز عصبي ساخن ، إنها فرن متحرك ، لا تشعر بالبرد ولا تحتمل
الإلتصاق ولا الحب بشكل متواصل ،
فماذا يفعل
الجنوبي المسكين ...؟؟
كان
الجنوبي ينهار يوما بعد يوم ، حتى سقط في غيبوبة بينما الشمالية
كانت تعمل كعادتها ،
ففزع كل أهل القبيلة إلى نجدته ، وبما فيهم تلك الجنوبية الطيبة ،
التي سارعت إلى احتضانه ،
وصارت تغمره بعطفها وحبها المكنون
حتى عادت له الروح ،
فقرر أخيرا
الجنوبي الزواج للحفاظ على حياته ، في هذا الصقيع ،
فيلجأ أخيرا إلى الزواج سرا ،
وما إن يتزوج حتى يغرق في قلب الجنوبية ، التي تضمه بشوق يشبه شوقه ،
فهي أيضا لا تستطيع العيش بلا هذا الحضن ،
إنها دافئة جدا ، محبة ، وودودة ،
إنها لصيقة طوال الوقت ،
وكلما غابت الشمالية ، كلما هرب
الجنوبي إلى زوجته الجنوبية ،
ليعوض على نفسه البرد ،
باتت الشمالية تلاحظ أن زوجها بات بصحة جيدة ، وأكثر نشاطا ،
وتفتح للعمل والإنتاج ،
وصارت لديه الطاقة للعمل معها أيضا ،
إنها لا تعلم من أين اكتسب تلك الطاقة ،
لكنها فرحت به أكثر ........!!!!
وبعد فترة وصل الجميع إلى الغابة ، حيث الأشجار ، والأنهار ،
والحياة أكثر أمنا بقليل من الصقيع
عندما وصل الجنوبيين إلى الغابة ،
شعروا بمتعة الإنجاز لأول مرة في حياتهم ،
وفرحوا كثيرا ، وشكروا الشمالية التي قادتهم إلى هذا المكان ،
بينما سارع كل فرد منهم إلى اتخاذ إحدى الخمائل بيتا ،
وكل جنوبي أخذ زوجته تحت شجرة يقبلها ،
إلا الشمالية ، بقيت وحيدة ،
أرادت الشمالية بعد كل هذا التعب أن تكافئ نفسها ،
أرادت أن تهنأ هي الأخرى أخيرا بحضن زوجها ،
لكنها بحثت عنه ولم تجده ،
سألت عنه كل فرد في القبيلة ،
لكن أحدا لم يخبرها أنه يختبئ تحت الأيكة ، حيث يعيش مع زوجته الجنوبية سرا ،
الكل يعلم ولا أحد يخبرها ،
إنها الوحيدة التي ما كانت تعلم ،
وبينما هي تبحث سمعت صوته ،
ثم أطلت برأسها عبر الأيكة لتراه يقبل امرأة يانعة ،
تضج وجنتيها بالحياة ، وتمتلأ أوردتها بالصحة والعافية ،
فأصيبت بالصدمة ، وبدأت تصرخ عليه بغضب : أيها الحقير ، أيها الدنيء
أيها المخادع القذر ، أيها الدون ، كيف تجرؤ ، كيف... تخونني وأنا التي ضحيت من أجلك ؟
أبعد كل ما فعلته لك ، أبعد كل ما عانيته معك ، ألا يكفي أني تحملت
مسؤوليتنا معا ، بينما آثرت أنت النوم والإسترخاء ، ألا يكفي أني كنت
أعمل ليل ونهار في الوقت الذي لم تفكر فيه إلا في نفسك ، أيها الأناني ،
كم أكرهك ، كم أمقتك ،
وتركض الشمالية عبر الأدغال ، وهي جريحة متعبة ، منهكة ،
حتى بعد كل ما قدمته من تضحية لم تجني سوى الخيانة ،
لكن
الجنوبي شعر بالأسى لأجلها ، وفي الوقت ذاته ، لم يعد يفكر في أن
يعود إليها ، فهي رغم كل شي جميل فيها ، تبقى باردة متعبة ،
وزوجته الجنوبية توفر له الكثير من احتياجاته عليه أن يختار ،
لكن أفراد القبيلة يقولون له : لا بأس عليك أن تعيدها فهي مهمة ،
وذات فضل علينا جميعا ، أعدها واتركها ، مجرد زوجة ، هي لن تكلفك الكثير ،
إنها تعتني بنفسها ، وتحد مؤونتها بنفسها ، إنها لا تشكل عبئا عليك ،
أعدها لأجلنا مسكينة ،
ويبادر
الجنوبي إلى إرضائها إنها طيبة وتقبل ، لكنها في أعماقها تعتقد
بأنها أفضل حالا من أن تصبح زوجة أولى ، فتقرر أن تدفعه إلى طلاق الثانية ،
وهكذا تعمل الشمالية بكل قوة لكي تستعيده ، لكنها لا تعرف كيف....؟؟
فتسقط من جديد ، إنها تعتقد أنها لو بنت بيتا فسوف تغريه ويعود ،
فتنهك نفسها في بناء البيت الجديد ، لكنه يستمتع طوال ذلك الوقت مع الجنوبية ،
وعندما تفرغ الشمالية من بناء البيت ، تطلب أن يقاسمها البيت ،
لكنه يشترط أن تستمع الجنوبية معه بالبيت ، فيصيب الشمالية القهر وتموت ،
وهكذا ينتصر
الجنوبي ويفوز وزوجته الجنوبية بالبيت ، ببساطة ، وبلا تعب ،
فالحياة أرزاق ، أمر لم يتيسر فهمه على الشمالية ،
لو أن كل شمالية أدركت أن الله هو وحده من يرزق الأمن لارتاحت ،
لو أن كل شمالية توازنت لصانت بيتها ، وزوجها ونفسها ،
ترى فيما فكرت الشمالية لحظة الموت...؟؟ عندما بدأت روحها تغرغر....؟؟؟
فكرت أن الحياة بكل ما فيها لم تكن تساوي شيئا ، وأن الموت سيداهمها في
وقته وفي حينه سواء كانت في الصقيع أو في الغابة أو في البيت ،
الموت يأتي للإنسان في كل مكان ، لا يثنيه شيء ،
فكرت كم أنها أهدرت حياتها على أمور غير مهمة ، في الواقع ،
فكرت أن الدنيا لم تكن تستحق كل تلك الجدية ،
فكرت لو أن الزمن يعود إلى الوراء لو أن الله يمد في عمرها فتعوض على زوجها الألم ،
تريد أن يعود الزمن إلى الوراء فتهتم بمشاعرها أكثر ، وبزوجها أكثر ،
وتنجب أطفالا يملؤون عليها الدنيا ،
وتحب أطفالها ولا تعصب عليهم ،
ياه الحياة تافهة ، تافهة ،
الحياة لا شيء
إن
الجنوبي وحده يدرك أن الحياة لا شيء ،
ولهذا فقد وصفه عليه الصلاة والسلام بخير الأنماط .
عاش
الجنوبي والجنوبية في البيت الذي بنته الشمالية ،
والذي لم يكن مكتملا ،
وبعد مدة من الزمن ، سقطت بعض الأسوار ، وتهاتكت الجدران
لكن
الجنوبي أهملها ، ولم يفكر في إصلاحها ،
والجنوبية زوجته لم تهتم أيضا ،
كان الأطفال يلعبون في فناء الدار ،
بينما كان الشمالي وزوجته الشمالية ( إن كنتم تذكرون حكايتهما)
يمران من هناك، فلاحظا أن الأطفال في خطر ،
فقال الشمالي للجنوبي : لماذا لا تصلح دارك ، فقد ينهار ، وقد تفترس
الوحوش أطفالك ، عليك بإعادة بناء الدار ،
لكن
الجنوبي قال : حسنا ، سأفعل ذات يوم ،
لكنه لم يفعل ،
وذات يوم : سقط السقف على رأس أحد أطفال
الجنوبي ، بينما هاجم سبع الطفل الآخر ،
وهكذا فقد
الجنوبي أطفاله ،
فمر عليه الشمالي
والشمالية وقالا له ، ألم ننصحك سابقا ....
تعلم
الجنوبي الدرس ، عمليا ، بعد أن خسر فلذات كبده ،
بينما لم يتعلم عبر النصيحة ، فهو لا يستوعب إلا عمليا .
انتهت القصة